تعتبر الترجمة من المهن العريقة التي تساهم بشكلٍ أساسي في التواصل ونقل الثقافات والمعارف والعلوم، فالمترجم هو ناقلٌ لمفاهيم وثقافات الشعوب الأخرى من لغةٍ الى أخرى وليس ناقلاً لنص من لغة الى لغة أخرى فحسب. ويحظى المتخصصون في هذا المجال بفرصةٍ للتعرّف على الكثير من المواضيع المتنوعة التي تجري في أرجاءٍ أخرى من العالم، فهي مهنةٌ متجددة ولا تعرف الرتابة والروتين على الإطلاق، وتفتح باستمرار آفاقاً وعوالم جديدة أمام المترجمين. إلا أن هذه المزايا الفكرية والمهنية تترافق أيضاً مع بعض الضغوطات الجسدية والنفسية التي تواجه المترجمين بصورة شبه مستمرة، فالترجمة تعتبر من الأعمال المكتبية التي تتطلب الجلوس لفترات طويلة أمام شاشة الحاسوب إلى جانب بذل الكثير من العصف الذهني والجهود الفكرية الضرورية لترجمة وابتكار نص يرتقي إلى أعلى معايير الجودة التي ترضي العميل.
لا بد وأن يشاركني زملائي من جيل السبعينيات من القرن الماضي إحساسي بأن ما نشهده اليوم من تطور تقني أشبه بأفلام الخيال العلمي التي شاهدناها صغاراً: عالم متصل، يعرف كل شخص فيه مكان الآخر، ويمكن تنفيذ كل ما نرغب به بلمسات بسيطة على جهاز صغير نحمله في جيبنا! نعم، حتى مطلع الألفية الجديدة كان مجرد التفكير باقتناء هاتف متحرك مجرد حلم يقتصر تحقيقه على علية القوم، وكان مجرد استخدام البريد الالكتروني عن جهاز الكمبيوتر يعد ثورة حقيقة في عالم الاتصالات. أما اليوم، فلا نحمل جميع وسائل الاتصال التي نحتاجها في جيبنا وحسب، بل نحمل معنا أيضاً البنك ومركز طلب سيارات التكسي، وخريطة العالم، ودليل المدينة، وأهم المواقع السياحية، ومكتب السفريات، ودليل الطبخ الأحدث في العالم، ودليل الهاتف، وصورنا العائلية، وذكرياتنا، وحتى مواعيد أعياد ميلاد أحبتنا!