تتميز اللغة العربية بتاريخها الفريد، حيث تطورت بشكل متسارع في مرحلة صدر الإسلام والعصر الأموي، على أيدي باحِثِين عملوا باجتهادات فردية على إدخال تحسينات وتطويرات كبيرة على الأبجدية العربية، قادت إلى تغييرات كبيرة منحت لغتنا المرونة والقوة اللازمين لتنجح في الحفاظ على نفسها على مر القرون. فمتى نشأت الأبجدية العربية، ومن أين أتت؟ وكيف تطورت؟ ومن وضع النقاط على الحروف؟ ومن ابتكر التشكيل؟ تابعوا القراءة لمعرفة المزيد، ولا تنسوا الاطلاع على الفيديو المرفق الذي يقدم لكم هذه المعلومات بطريقة خفيفة الظل.
نشأة الأبجدية العربية
اللغة العربية لغة سامية، نشأت في منطقة شمال الجزيرة العربية، وتأثرت بالأبجدية الآرامية، ومنها اشتقت أسماء الأحرف وترتيبها الأول (أبجد هوز). كانت الأبجدية الآرامية تنطق هكذا:
ألف، بيث، جامل، دالث، هيه، واو، زين. ومنها جاءت الأحرف العربية:
ألف، باء، جيم، دال، هاء، واو، زين (أبجد هوز).
تأثرت اللغة العربية أيضاً بخط المسند اليماني، إلا أن أول خط عربي موثق، وهو خط الجزم، تأثر بشكل رئيسي بكتابة الأنباط، التي تأثرت بدورها بالأبجدية الآرامية.
أول نتاج أدبي عربي موثق
كانت المعلقات العشر التي كتبت بماء الذهب وعلقت في الكعبة الشريفة أول نتائج أدبي عربي موثق حافظ على وجوده على مر القرون. اشتهرت المعلقات بسبب ارتباط القبائل العربية بالشعر والفصاحة، وتعد اليوم كنزاً ثميناً للدارسين لفهم عادات وتاريخ مرحلة ما قبل الإسلام في الجزيرة العربية.
اللغة العربية دون نقاط أو تشكيل
في مرحلتي ما قبل الإسلام وصدر الإسلام، كانت اللغة العربية خالية من النقاط والتشكيل، وكانت الأحرف المتشابهة تُميَّز عن بعضها بالسليقة. فكانت أحرف الباء والتاء والثاء تكتب على شكل سن صغير، وأحرف الجيم والحاء والخاء تكتب بنفس الطريقة تماماً، ولا شيء يميزها عن بعضها سوى سياق الكلام.
ولادة علم النحو
تقول الحكاية إن أبا الأسود الدؤلي مر برجل يقرأ القرآن فوجده يقرأ ويقول: (إن الله بريء من المشركين ورسولِه)، وينطقها بكسر اللام، أي بعطف رسوله على المشركين، فساءه أن تغير القراءة في معنى القرآن، فغدا إلى الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فروى له ما سمع، فتناول الخليفة رقعة وكتب عليها:
"الكلمة اسم وفعل وحرف، فأما الاسم فما أنبأ عن المسمى، وأما الفعل، فما أنبأ عن حركة المسمى، وأما الحرف، فما أنبأ عن ما ليس اسماً ولا فعلاً، والرفعُ: للفاعلِ وما اشتبهَ به، والنصبُ: للمفعولِ وما حُملَ عليه، والجرُّ: للمضافِ وما يناسبُه".
ثم التفت إلى أبي الأسود وقال: "انحُ هذا النحو يا دؤلي".
وهكذا ولد علم النحو.
ابتكار التشكيل
لعب أبو الأسود الدؤلي دوراً بارزاً مرة أخرى في تطور اللغة العربية، حين توسعت الفتوحات واختلط العرب بالعجم، ودخل اللحن إلى اللغة العربية، فخاف العرب أن يؤثر ذلك على قراءة القرآن الكريم، ومن هنا جاء ابتكار التشكيل. كان ابتكار التشكيل بطلب من زياد ابن أبيه إلى أبي الأسود، الذي ابتكر أول نظام للتشكيل باللغة العربية:
النقطة فوق الحرف للفتحة، والنقطة تحت الحرف للكسرة، والنقطة على يسار الحرف للضمة. ولم يجد أبو الأسود الدؤلي داعياً لابتكار السكون، قال إن غياب التشكيل يعني السكون. وكانت النقاط تكتب باللون الأحمر والكلمات بالأسود للتمييز.
تغيير ترتيب الأحرف الأبجدية العربية
في منتصف القرن الأول للهجرة، على زمن الخليفة عبد الملك بن مروان، أدخل الباحثان العربيان نصر بن عاصم الليثي ويحيى بن يعمر العدواني تغييرات جذرية على الأبجدية العربية، فكان أول ما قاما به هو تغيير ترتيب الأحرف الأبجدية، من أبجد هوز الآرامية، إلى الترتيب الذي نعرفه اليوم: ألف، باء، تاء، ثاء، جيم، حاء، خاء إلخ. كان الهدف هو جمع الأحرف المتشابهة لتسهيل تمييزها ودراستها.
التنقيط
كان الإنجاز الثاني للباحِثَين نصر بن عاصم الليثي ويحيى بن يعمر العدواني هو ابتكار النقاط، حيث تم تمييز الأحرف المتشابهة في الكتابة بوضع نقاط عليها: نقطة تحت الباء، ونقطتان وق التاء، وثلاث نقاط فوق الثاء، وهكذا. وكانت النقاط تكتب باللون الأسود لتمييزها عن نقاط الدؤلي الحمراء التي تعبر عن الحركات.
التشكيل كما نعرفه اليوم
في القرن الثاني للهجرة، جاء الخليل ابن أحمد الفراهيدي لوضع اللمسات الأخيرة على الأبجدية العربية، فاستبدل نقاط الدؤلي الحمراء بالحركات التي نعرفها اليوم. وهكذا أصبحت الأبجدية العربية مكتملة كما نعرفها اليوم.