رائدة درويش - محررة في بيت المحتوى
لا تقتصر الترجمة على مهارات المترجم باللغة الأجنبية فحسب، بل تتعداها إلى لغته الأم، التي تتيح له بحراً واسعاً من المفردات والتعابير ينهل منه ليعكس روح النص الأصلي ويثريه. وكثيراً ما نصادف، كمترجمين، أشخاصاً موهوبين بلغةٍ أجنبية ويمتلكون من الثقة بالنفس قدراً كافياً يدفعهم للحديث عن سهولة هذه المهنة وثقتهم الكبيرة بقدرتهم على النجاح فيها. كيف لا وهم يقضون معظم وقتهم في متابعة الأفلام والأغاني بهذه اللغة ويجيدون التحدّث بها.
تمتلك الخبرة الكبيرة باللغة الأجنبية ومفرداتها أهميةً رئيسية عند العمل في مجال الترجمة، إلا أن ذلك لا يكفي أبداً لتقديم نص مترجم ممتاز، أو جيد على الأقل. وتلعب الدراية الواسعة باللغة الأم، بالإضافة إلى عوامل عديدة مثل مهارة البحث عن المعلومة الصحيحة والمعرفة بالحساسيات الثقافية والاجتماعية للقارئ والبراعة بصياغة نص سلس وانسيابي دوراً لا يقلّ أهميةً. قد يبدو الأمر بسيطاً جداً للوهلة الأولى، ولكن وراء الأكمة ما وراءها.
لنأخذ على سبيل المثال Dubai Electricity and Water Authority. إنها هيئة المياه والكهرباء بدبي!، أو هيئة الماء والكهرباء بدبي!، أو هيئة مياه وكهرباء دبي!، أو هيئة دبي للكهرباء والماء!، أو هيئة الكهرباء والمياه في دبي!. الخيارات كثيرة وصحيحة المعنى، ولكنها لم تصب عين الهدف (هيئة كهرباء ومياه دبي). هو البحث والبحث فقط ما يقودنا إلى انتقاء الترجمة الدقيقة والصحيحة، وخاصةً عندما يتعلّق الأمر بأسماء الوجهات والمنظمات والفعاليات والألقاب والمناصب.
يغلب على المشهد الإعلامي والثقافي في العالم العربي التوجهات التي تدعو إلى التخفيف باستخدام اللغة العربية، أي الابتعاد عن المفردات الفصيحة وغير المطروقة واختيار كلمات بسيطة يفهمها القارئ عند كتابة محتوى عربي لغير المختصين. ولن نبتعد عن نصّنا هذا لطرح مثال مفيد، فقد استخدمت المثل العربي (وراء الأكمة ما وراءها) للدلالة على أمر مخفي، ولكن ألم يكن باستطاعتي القول (قد يبدو الأمر بسيطاً جداً للوهلة الأولى، ولكنه ليس كذلك.)! نعم، وبالتأكيد يمكنكم أيضاً التفكير بخيارات بسيطة لاستخدامها بدلاً من التعابير الفصيحة التي تسبب بعض الإرباك للقارئ غير المختص.
ولا تتوقف الترجمة هنا، بل تتعداها إلى مراعاة الحساسيات الثقافية والاجتماعية المرتبطة بالمجتمع القارئ للمحتوى الذي نترجمه، وفي حالتنا هنا المجتمع العربي. فعلى سبيل المثال، يمكن استبدال كلمات (خلق) بـ (توفير)، و(تعويذة) بـ(رمز)، و(ساحرة) بـ (مذهلة) و(أزياء المحجبات) بـ(الأزياء المحتشمة)، و(عامة الشعب) بـ(الجمهور).
وفي الحقيقة، يتعلق نجاحكم بالترجمة بامتلاككم مزايا عديدة، أولها الموهبة وليس آخرها الممارسة والقراءة والخبرة. والآن، هل أنتم واثقون من قدراتكم بالترجمة كما عندما بدأتم قراءة المقال؟