محمد ابراهيم - مترجم في بيت المحتوى
هي نظرية وضعها عالم النفس هاورد غاردنر، أستاذ مساعد في علم النفس بجامعة هارفارد، ومدير أول في مشروع هارفارد زيرو في عام 1983. كما أنه واحد من أكثر 100 مفكر تأثيراً في العالم في عام 2011، بحسب مجلتي فورين بوليسي وبروسبكت.
وتسعى النظرية لإثبات وجود أنواع مختلفة للذكاء، بحيث لا تقتصر أنواعه على التفكير المنطقي والتواصل اللغوي، اللذين يتم اعتمادهما ضمن اختبار الذكاء (IQ)بشكل تقليدي.
وسنستعرض في هذا المقال أنواع الذكاء العشرة:
-
الذكاء اللغوي :(linguistic)
يعرف أيضاً بالذكاء الشفهي، وهو القدرة على استخدام الفرد للغّة، ومدى حساسيته للكلمات ومعانيها، إلى جانب معرفة قواعد اللغة والقابلية لاستعمال المحسنات البديعية أثناء الكلام والكتابة، بما في ذلك الشعر والإلقاء. ويمتاز أصحاب هذا النوع من الذكاء بالقدرة على نقل المفاهيم بطريقة واضحة وسلسة.
والأمثلة على أصحاب الذكاء اللغوي كثيرة، منهم: الشعراء؛ والخطباء؛ والمذيعون؛ والصحفيون.
-
الذكاء المنطقي الرياضي :(logical-mathematical)
يعكس هذا النوع من الذكاء قدرة الشخص على التفكير الرياضي والمنطقي المجرد وتوظيفه في حل المشكلات.
ونلاحظ أن معظم الاختبارات المدرسية أو الجامعية تركز على نوعين فقط من الذكاء، هما الذكاء اللغوي والذكاء المنطقي، فإذا قام الطالب بتحصيل علامات جيدة، سيطلق عليه الناس صفة الذكاء- وهذا شيء جيد بطبيعة الحال- لكن العالم الخارجي يتطلب منّا امتلاك أنواع مختلفة من الذكاء .
وأصحاب هذا النوع الذكاء كثر، منهم: علماء الرياضيات؛ والمهندسون؛ والفيزيائيون؛ والباحثون، لأنهم قادرون على تقديم البراهين الرياضية والقيام بالتفكير العلمي والتجريب.
-
الذكاء الموسيقي والإيقاعي :(musical-rhythmic)
يعني القدرة على تمييز الأصوات والإيقاعات والتفريق بينها، وتذوق أنواع مختلفة من الموسيقى، سواء عن طريق الغناء أو العزف على آلة موسيقية.
ويعتقد غاردنر أن غالبية الناس تنظر للموسيقى على أنها موهبة وليست من أنواع الذكاءً، لذا فهو يطرح علينا التساؤل التالي:
لماذا نطلق صفة الذكاء على الشخص الذي يجيد فن الكلام، ولكن إذا كان يجيد تأليف النغمات والإيقاعات الموسيقية، فلن يقدّم أحدٌ أية إجابة مقنعة؟
في الواقع، هذا ما يجعل الحديث عن وجود الذكاء الموسيقي أمراً منطقياً وضرورياً، ففي ثقافات معينة عبر التاريخ كان لهذا النوع من الذكاء دورٌ مهم للغاية.
وخير مثال على الأشخاص، الذين يملكون هذا النوع من الذكاء، هم: المطربون والملحنون والعازفون.
-
الذكاء المكاني، أو الفراغي البصري :(spatial-visual)
هو الذكاء الذي يتيح لنا معالجة المواضيع والقدرة على التصور وإدراك العالم المحيط وتقدير المسافات والأحجام، وخير مثال على الأشخاص، الذين يملكون هذا النوع من الذكاء، هم: المهندسون؛ والرسامون؛ ولاعبو الشطرنج؛ والجرّاحون والطيارون؛ وقباطنة السفن.
-
الذكاء الحركي الجسدي، أو البدني العضلي :(bodily-kinesthetic)
ويشير إلى القدرة على التحكم في حركات الجسد وعضلاته، ويتألف من نوعين إحداهما هو القدرة على استخدام الجسم بالكامل لحل المشاكل أو صنع الأشياء، فالرياضيون والراقصون لديهم هذا النوع من الذكاء.
أما النوع الآخر فهو القدرة على استخدام اليدين أو أجزاء أخرى من الجسم لحل المشكلات أو صنع الأشياء، بما في ذلك السباحون؛ ولاعبو الخفّة؛ والممثلون.
-
ذكاء معرفة الآخرين (Interpersonal intelligence):
إنه ذكاء خاص بالجنس البشري، ويعني قوة الملاحظة ومعرفة الفروق بين الناس في طبائعهم وذكائهم وأمزجتهم ومعرفة نواياهم ورغباتهم.
ويتميز مالك هذا الذكاء بالمقدرة على فهم الآخرين وكيفية تحفيزهم وقيادتهم والعمل والتعاون معهم.
ويحتاج أي شخص، في أي بيئة عمل مشتركة، إلى هذا النوع من الذكاء، فأصحاب القرار يتميزون بالذكاء الشخصي (أو على الأقل هذا ما نأمله). وقد يتم استغلال هذا النوع من الذكاء بطرق خبيثة تخدم غايات وأجندات غير إنسانية، فالأمر يتعدى ذكاء البائع الذي أقنعك بشراء أشياء لا تريدها وبسعر لا يناسبك. وأهم الأمثلة على الأشخاص، الذين يملكون هذا النوع من الذكاء، هم: رجال الدين والسياسة، الذين يتّصفون بالفراسة وسعة المعرفة.
-
ذكاء إدراك الذات، أو معرفة الذات :(intrapersonal intelligence)
إنه ذكاء خاص بالجنس البشري أيضاً، ويصعب تقييمه، ويعكس مدى فهم الشخص لنفسه.
ربما لم يكن في الماضي إدراك الفرد لذاته أمراً هاماً، لأن الناس كانوا يكررون ما يقوم به آباؤهم أو أجدادهم، سواء كانوا يعملون في الصيد أو الأعمال الحرفية. لكن في الوقت الحاضر، لا سيّما في المجتمعات المتقدمة، فلكل فرد حياته الخاصة وعمله الخاص، الذي قد يتغير مراراً، فإذا لم يكن لدى الشخص فهم جيد لنفسه، قد يقع في العديد من مشكلات ويتعرض لضغوطات كبيرة.
-
ذكاء علم الطبيعة :(naturalist)
الذكاء الثامن، الذي أضافه غاردنر قبل بضع سنوات، متعلق بعلم الطبيعة. ويعكس هذا النوع من الذكاء امتلاك الفرد لمقدرات محددة، مثل التصنيف بين نبات وآخر أو بين حيوان وآخر. ويعدّ ذكاء تشارلز داروين مثالاً عن هذا النوع من الذكاء.
وقد يرى البعض أن مثل تلك المقدرات لم تعد مهمة في يومنا هذا. بيد أن كل ما نقوم به في الحياة من أنشطة، مثل اختيار سترة دون أخرى أو اعتماد تسريحة شعر معينة تواكب الموضة الحالية، يعتمد على ذكائنا الطبيعي، لأن الدماغ البشري شديد التكيف، فنحن جميعاً نستخدم ذكائنا الطبيعي، حتى لو لم نعش أبداً في الغابة.
-
الذكاء التعليمي أو التربوي :(teaching)
هو الذكاء الذي يسمح لنا بأن نكون قادرين على تعليم الآخرين بنجاح وإتقان، فقد نلاحظ وجود شخصين يتمتعان بنفس الخبرة والمعرفة في مجال ما، لكن أحدهما يعدّ مدرساً ناجحاً والآخر ليس كذلك.
ويعتقد غاردنر أن الأطفال في عمر العامين أو الثلاثة يبدؤون باستخدام هذا الذكاء، فإذا أظهرت للطفل كيفية القيام بشيء ما، ثم طلبت منه أن يشرح ذلك لشخص أصغر منه، فسوف يسهب في التفاصيل ويركز على بعض النقاط ويتحدث ببطء. أما مع الشخص الأكبر منه سناً، فسيكون الشرح مختصراً وموجزاً، وهذا دليل على امتلاك بعض الأشخاص للذكاء التعليمي، بحسب غاردنر.
-
الذكاء الوجودي :(existentialist)
ماذا معنى الحب؟ لماذا نموت؟ ماذا يخبأ لنا المستقبل؟
يتميز صاحب الذكاء الوجودي بطرح الأسئلة الكبيرة والفلسفية والفنية. وقد يفوقنا الطائر المغرد في القفص بذكائه الموسيقي، وقد تملك الفئران في أقبية بيوتنا ذكاءً مكانياً أكثر مما نملك، لكن لا توجد حيوانات أخرى لديها ذكاء وجودي، لأن التفكير في مسائل الوجودية يعدّ جزءاً من حياة الإنسان.
ويعتقد غاردنر أن ذكاءنا الوجودي يظهر في سن الخامسة، عندما نطرح الكثير من الأسئلة، التي تبدأ بماذا؟، وكيف؟ لكن الفارق بين طفل عمره خمس سنوات وفيلسوف، يكمن بأن الطفل لا يولي الكثير من الاهتمام بالإجابات.
في الواقع، تكمن أهمية طروحات غاردنر في ضرورة كسر هيمنة الذكاء أحادي النمط. ليبقى السؤال الجوهري، هل يجب أن نركز على ما نملكه من ذكاء، أم يجب أن نعزز جميع الأنماط؟