أحمد صالح - مترجم في بيت المحتوى
يمر الجميع في فترة ما من حياتهم بتجارب قاسية أو يتعرضون للفشل والإحباط لمختلف الأسباب، وربما يلجأ البعض نتيجة يأسهم إلى حلول يظنون أنها سترسم لهم طريق الخلاص وتمنحهم وسائل تحقيق الثروة والمجد. فتراهم يتهافتون عليها مبهورين بالأحلام الوردية ومتعلقين بقشة أملٍ زائف.
وأشهر هذه الوسائل ما يُعرف بالعلوم الزائفة، والتي يتم الترويج لصحتها في حين أنها تبتعد كلياً عن مبادئ العلوم الحقيقية القائمة على التجربة والبرهان. وتكمن خطورة هذه العلوم في عدم قابلية نقدها أو تكذيبها، لأنها تستند على الأوهام والمفاهيم الغامضة بشكل متعمد. وأكثرها انتشاراً اليوم هي التنجيم والطب البديل، ولعل أخطرها ما يسمى بالبرمجة اللغوية العصبية.
وحينما نحاول الخوض في بحور هذا العلم ونحاول أن ننهل من فصوله، نجد أنه يمكن لأي شخص أن يحصل على درجة الدبلوم أو حتى الماجستير في فترة لا تتعدى أربعة أسابيع من خلال دوراتٍ تدريبية، وبالطبع ليست مجانية. وليس هذا أسوأ ما في الأمر، إذ باتت هذه الممارسات بديلاً عن السعي الجاد والتحلي بالعزيمة والإصرار للوصول إلى أهدافنا. وصار الناس يسارعون لإضاعة أموالهم على دورات وكتب لا قيمة لها؛ وتبقى روائع حنا مينا وطه حسين ونجيب محفوظ تنتظر من يُسلّم عليها.
ويبقى المستفيد الفعلي من هذه الظاهرة هم ممارسو هذه المهنة من أصحاب الأيادي الحانية التي تمتد إلى جيوب اليائسين مقابل كنز من الأوهام ومنجم من الوعود.
وما تزال البرمجة اللغوية العصبية حتى اليوم تفتقر إلى دراسات بحثية موثوقة تثبت جدواها أو صحة النظريات حولها. لذا بات جلياً أن التسويق الجيد هو السبب الأول في انتشارها، ولا سيما في ضوء تنوع أساليبها ومنهجياتها. ونجد خير مثال فيما قاله المختص بعلم النفس توماس ويتكوسكي: "يقود تحليلي قطعاً إلى أن البرمجة اللغوية العصبية تمثّل هراءً شبه علمي يجب إهماله للأبد".
وتحمل العبارات المستخدمة في تلك الكتب والمساقات طابعاً شبه فلسفي يشد المستمع للوهلة الأولى، حيث يقول أحد مبادئها إن كل فرد يمتلك القوة لتحقيق المطلوب، وهي فكرة مشجعة وتحمل بعض التحفيز بالفعل، ولكننا ندرك جيداً مدى تفاوت القدرات بين الأشخاص، عدا عن خطورة التحفيز المؤقت دون خطوات عملية ومنهجية علمية. ويؤدي التسليم بمثل هذه الأفكار إلى التصور بأن عملية التغيير الشخصي والسلوكي سهلة للغاية، خلافاً للواقع، وبالتالي فإن الثمن الذي يترتب على الفشل اللاحق يكون باهظاً.
صحيح أن هذه المقالة مختصرة، ولكن الهدف منها ليس الإطالة والتثقيف بقدر ما هو تنويه بسيط إلى خطورة هذا النوع من الممارسات التي لا تحتاج سوى قدرة عالية على التحدث وثقافة متواضعة، والنتيجة بلا شك موجة مدمرة لتسطيح العقول واستبدال العلوم الحقيقية والمعرفة العميقة بالعلوم الزائفة.