نور حاتم - مديرة مشاريع في بيت المحتوى
قطع التعليم شوطاً كبيراً بين الماضي والحاضر، حيث بدأت رحلة التعلّم مع الجلسات التعليمية التي تروي قصصاً تجذب المستمعين بالحِكَم والعبر التي تلزمهم لعيش حياة هادفة ومنتجة، قبل أن نصل اليوم إلى عصر التقنيات المذهلة التي أتاحت وسائل التعليم والتعلم بأسلوب يتجاوز حدود الزمان والمكان. ويشير التطور الهائل والمستمر في أساليب التعليم إلى اتفاق الشعوب والمجتمعات على مدار العصور حول أهمية التعليم في بناء شخصية الإنسان، ووضع حجر الأساس لمجتمع سليم ومتكافل.
ولو سألناكم عن رأيكم حول أهمية التعليم، نثق تماماً أننا سنتلقى إجاباتٍ كثيرةً ومختلفةً، مما يوضح تغير مفهوم ضرورة التعليم كنتيجة مباشرة للتطور المذهل الذي قطعته البشرية خلال العقود القليلة الماضية. فتأثيرات التعليم الإيجابية لم تعد مقتصرة على الشخص نفسه، بل أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الجهود اللازمة لحل القضايا الملحة التي تواجه البشرية مثل الفقر وعدم المساواة الاجتماعية وغيرها.
كما يمكن القول أنّ قوة التعليم هي التي أطلقت العنان للإمكانيات المذهلة للعقل البشري مما ساهم في تحقيق إنجازات كانت تعتبر في الماضي ضرباً من الخيال، وأبسطها أننا نتواصل معكم اليوم عبر أجهزة ذكية وسط عالم افتراضي بالكامل، وهذا ما يؤكد على الضرورة الملحة لتزويد جميع الأفراد بالمهارات التي تمكنهم من مواكبة المتطلبات المتغيرة التي يفرضها التقدم التكنولوجي المستمر. وتكمن أهمية التعليم في رأيي بأنه يساعد الشخص على الإبداع، فجميعنا مبدعون بالفطرة ولا نحتاج إلّا لامتلاك الأدوات التي تفتح أمامنا أبوابَ عوالمٍ مذهلةٍ من الفرص والاحتمالات في عصر رقمي متعطش لاستقطاب المواهب على اختلافها.
ولطالما ترددت على مسامعنا عبارة "العلم في الصغر كالنقش على الحجر"، والتي تشير إلى أن ما يتعلمه الأطفال في عمر صغير يبقى محفوراً في شخصيتهم إلى الأبد ويوجه سلوكهم في المستقبل. ويحمل التعليم في المراحل العمرية الصغيرة أهميةً بالغةً نظراً لأن أطفال اليوم هم أمل المستقبل، ومن الضروري جداً أن نعمل على إعداد جيل واعٍ وقادر على التفكير بمنطق سليم لاتخاذ القرارات المسؤولة التي تساهم في نهضة المجتمع وتقدمه.
ويوفر التعليم الطريقة الوحيدة التي تساعد الأطفال على اكتشاف أنفسهم وتحديد ما يميزهم عن غيرهم ضمن أي مجال كان، وعندما ننظر إلى جوانب الحياة التي تميز مجتمعاتنا اليوم نلاحظ أن التميز هو عنوان المرحلة الحالية والقادمة من النهضة والتطور. كما تشكل جهود محو الأمية خطوة أساسية في مسيرة التقدم البشري التي تحتاج حشد جهود الجميع دون أي استثناء، حيث يشكل التعليم أداةً لا غنى عنها من أجل تزويد الأفراد بالمهارات اللازمة للتفكير المنطقي والقدرة على حل المشاكل.
ونزيدكم من الشعر بيتاً أن الدراسات أشارت إلى الدور الذي يلعبه التعليم في زيادة العمر الوسطي للإنسان، وهو أمر منطقي نظراً لأن التعليم يساعد الأفراد في الحصول على حياة كريمة ومستقرة توفر لهم جميع الأساسيات التي يحتاجونها، إلى جانب تمكينهم من اتخاذ القرارات المسؤولة التي تجنبهم الوقوع في مواقف قد تعرض حياتهم للخطر. وتذكروا دائماً أن التعلّم رحلةٌ مستمرةٌ لا تقف عند حدٍ أو عمرٍ معين.
ومن المهم جداً أن نسلط الضوء على الدور الأساسي لتعليم الإناث في توفير المساواة الاجتماعية وردم الهوة في تفاوت الفرص بين الجنسين، إذ يجب العمل على تزويدهن بالمهارات الأساسية التي تمكنهن من اتخاذ القرارات المناسبة لظروفهن بعيداً عن أي ضغوطات مهما كان نوعها، الأمر الذي يعزز بدوره من حضورهن ضمن مختلف المجالات ويتيح لهن المشاركة الفاعلة وتأدية دورهم الذي لا غنى عنه في سبيل نهضة المجتمع.
ونستنتج من هذا الكلام أهمية التعليم بصفته الوسيلة الوحيدة التي تتيح للأفراد الحصول على حياة كريمة من خلال امتلاك المهارات التي تخولهم العمل ضمن وظائف لائقة تساعدهم على تطوير مهاراتهم وتحسين حياتهم وحياة من حولهم. وهنا نلاحظ كيف تنعكس الآثار الإيجابية للتعليم على المجتمع بأكمله، فهو الحل للعديد من المشاكل المتأصلة في مجتمعات اليوم مثل البطالة والفقر وعدم المساواة بين الجنسين، بالإضافة إلى كونه الركيزة الأساسية في إحلال السلام العالمي ومعالجة القضايا التي تواجهها البشرية بأكملها. وننوه إلى أن كلامنا لا يعني بالضرورة امتلاك شهادات من أرقى الجامعات العالمية، إذ يكفي أن يكون الفرد واعياً بأهمية وجوده والقيمة التي يضيفها إلى المجتمع، ليتمكن من تطوير مهاراته ومعرفة حقوقه وواجباته للقيام بدوره في بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.
ودعونا نؤكد أخيراً على أهمية التعليم وضرورة إتاحته للجميع دون تحيز، قبل أن نعيد عليكم السؤال، ما هي أهمية التعليم بالنسبة لكم؟