بقلم إنجي حلوم - مترجمة في بيت المحتوى
يميل الكثيرون إلى المبالغة في الحكم على أنفسهم وتقييم أدائهم، معتقدين بأن ذلك ضروري ليصبحوا نسخاً أفضل من أنفسهم. فحين لا يُكتب لهم النجاح في أحد مساعيهم المهمة، سواء في مجال الدراسة أو العائلة أو العمل، يميلون غالباً للتشكيك بمنهجهم وسلوكهم وصفاتهم الشخصية أحياناً، حيث يضطرون بعدها للجوء إلى اعتماد استراتيجياتٍ نفسية دفاعية تمكّنهم من التأقلم مع الإخفاق.
وبالرغم من أن هذه الاستراتيجيات قد تساعد على تزويد الفرد بشعورٍ أفضل على المدى القصير، إلا أنها تعيق التطور وتجنب تكرار الأخطاء. وفي المقابل، أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يتحلون بثقة مفرطة بالنفس عند أداء المهام الموكلة هم أكثر عرضة لتدهور الأداء وافتقار الحافز في المهمات المستقبلية، مقارنةً بالأشخاص الذين يحرصون على تقييم أدائهم بطريقة واقعية وشفافة. فعندما نظن أننا نقدم أداءً استثنائياً لا تشوبه شائبة، يصبح من الصعب أن نقتنع بحاجتنا لبذل المزيد من الجهد في تحسينه.
وليس من السهل أبداً إطلاق أحكام ذاتية موضوعية وتقييم الأداء الشخصي بشفافية مطلقة، فقد تتسبب مواجهة نقاط ضعفنا بالشعور باليأس والإحباط وانعدام القيمة والميل إلى تأجيل إنجاز المهام، مما يساهم بدوره في إعاقة التقدم وتحقيق الأهداف.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أننا قد نغفل عن طرح الأسئلة المهمة والمحورية عند التركيز على تقييم الشخصية بدلاً من الأداء، والأجدر بنا أن نقوم بعملية إعادة تقييم شاملة لجميع الأسباب التي أعاقت النجاح، وطرح أسئلة مثل كيف حدث هذا وكيف يمكنني تجنب حدوثه في المستقبل!
ويقدّم خبراء علم النفس الاجتماعي بعض النصائح المفيدة للقيام بنقد ذاتي بنّاء بهدف التحسين المستمر للأداء:
-1انتقاد سلوك محدد قابل للتغيير بدلاً من السمات الشخصية الثابتة
تُظهر الدراسات أن الأشخاص الذين يربطون الأحداث السلبية بصفاتهم الشخصية الثابتة، مثل قول "أنا لست ذكياً بما يكفي"، هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب وغيره من المشاكل الصحية. بينما يتضمن النقد الذاتي البنّاء أسلوباً أكثر إيجابية يركز على جوانب محددة في الشخصية قابلة للتغير والتحسين، مثل لم أكن مستعداً تماماً للاجتماع؛ عليّ تخصيص 15 دقيقة لقراءة ملاحظاتي في المرة القادمة بدلاً من 5 دقائق.
2- انتقاد الظروف الخارجية مع محاولة تغييرها
قد تساهم بعض الظروف الخارجة عن إرادتنا في دفعنا للتصرف بشكلٍ معين، فقد يكون سبب التأخر في إنجاز مهمة ما هو عدم قدرتنا على التركيز بسبب صوت التلفاز العالي في المنزل على سبيل المثال. ولكن من الضروري عدم اتخاذ مثل هذه الظروف بمثابة عذر للتقصير بل دافع لإيجاد الحلول. فحين يكون لدينا وقت محدد لإنجاز مهمة ما، يمكننا العثور على مكان آخر للعمل أو الدراسة في حال لم يكن المنزل خياراً جيداً.
3- التركيز على الأشخاص الآخرين بدلاً من التركيز على أنفسنا
بدلاً من الانشغال بإطلاق الأحكام الذاتية، السلبية أو الإيجابية، قد يكون من الأفضل التفكير بكيفية تأثر الآخرين بسلوكنا، حيث يساعدنا ذلك على إعادة ترتيب أولوياتنا. وينصح الخبراء بوضع أهداف تركز على التعاطف بدلاً من تحسين الصورة الشخصية، مما يساعد في بناء علاقات أكثر انسجاماً في العمل وتلقي المزيد من الدعم. فعندما ينصب تركيزنا على تحسين صورتنا الشخصية فقط، يمكن أن يتسبب ذلك بتوليد شعور من المنافسة والتهديد لدى الآخرين، مما يمنعنا من تقدير ومراعاة احتياجاتهم الشخصية إلى جانب احتياجاتنا.
4- اعتماد أسلوب اللين في النقد الذاتي
يجب الحرص دائماً على انتقاد النفس برفقٍ ولين، خاصةً الأشخاص الذين يميلون للشعور بالخزي والعار عند الإخفاق أو ارتكاب الأخطاء، إذ يمكننا الاعتراف بخطأنا دون التشكيك بكفائتنا.
وعلى العموم، يشكّل النقد الذاتي البنّاء خارطة طريق للتغيير الإيجابي، إذ يساهم، بصفته أداةً لتقييم الأداء الشخصي، في اكتشاف السلوكيات الخاطئة التي تعيق تحقيق الأهداف. وعند تحديد هذه السلوكيات، يصبح من الأسهل وضع الخطوات لتجاوزها. فكيف من الممكن أن نتعلم من أخطائنا وتجنبها إذا لم ننظر إلى الوراء ونقيّم العوائق التي ساهمت في حصولنا على نتائج غير مرغوبة! لذلك، تساعد مراقبة وتقييم الأفكار النقدية على بناء خارطة طريق إلى النجاح من خلال استهداف السلوكيات غير الفعالة لتغييرها.
كما لا يمكننا أن ننسى الدور المهم الذي يؤديه النقد الذاتي في تحديد مواطن القوة لدينا، إذ يساعد تحليل أدائنا في العمل على تحديد الجوانب التي يمكننا تحسينها للاستفادة من إمكاناتنا القصوى. وبكلماتٍ أخرى، يساعدنا إتقان النقد الذاتي البنّاء، بالإضافة إلى دوره في زيادة الإدراك والوعي، في مسيرة انتقالنا إلى الشخص الذي نرغب ونطمح أن نكونه.
وأخيراً، من المهم ألا ننسى أن الخطأ وارد دائماً خلال مواصلة السعي لتحقيق الأهداف، فالفشل الحقيقي هو التوقف عن المحاولة.