بقلم: نجوى جابري، مديرة العمليات، بيت المحتوى
اسمحوا لي أن أبدأ هذه التدوينة بما يشبه الاستبيان، وأرجو أن أتلقى بعض الإجابات من القراء الأعزاء، عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر التواصل المباشر. إليكم الاستبيان المكون من خمسة أسئلة:
- ما هي القصة التي يحب طفلك أن تقرأها له قبل النوم؟
- هل هذه القصة باللغة العربية أم الإنجليزية؟
- إذا كانت القصة باللغة العربية، هل أنت راضٍ تماماً عنها، من حيث جودة المحتوى؟
- إذا كانت القصة باللغة العربية، هل أنت راضٍ تماماً عنها من حيث بساطة اللغة ومناسبتها للطفل؟
- إذا كانت القصة باللغة العربية، هل أنت راضٍ تماماً عنها من حيث صحة اللغة وغياب الأخطاء النحوية والإملائية والطباعية؟
بدأتُ تدوينتي بهذا الاستبيان لأن أجوبتي الشخصية عن هذه الأسئلة ليست مشجعة أبداً، ولا أجدني سعيدة أبداً بتوجيه النقد اللاذع للمحتوى العربي المخصص للأطفال، وأنا المسؤولة في واحدة من أهم شركات المحتوى العربي في المنطقة. لكنني حتماً سأشير دون تردد إلى أن المحتوى العربي المخصص للأطفال يحتاج إلى إعادة تأهيل شاملة ووضع معايير جديدة تماماً تتيح له الانطلاق نحو المستقبل مع فرصة حقيقية للعب دور في نشأة الأجيال القادمة بالطريقة الصحيحة.
غدقت ينابيعُ الحبور
خلال رحلة البحث عن قصة جميلة للأطفال، وفي لحظةٍ من لحظات الحنين إلى القصص التي كبرنا عليها، دفعني الفضول لطلب نسخة مترجمة إلى العربية من الحكايات العالمية، وكان أول ما وقعت عيني عليه: "وغدقت في أعماق ذلك الفرخ القبيح ينابيع الحبور، لأن حياة جديدة قد تهيأت له". فتذكرت ابنة أخي التي مازالت في الصف الثاني الابتدائي، والتي تجد صعوبة في التميز بين لفظ (آمن) و(أمان)، لكنها نجحت في تعلمهما أخيراً فقط بفضل تكرارهما خلال فترة أزمة كورونا. كيف يمكن لها أن تقرأ "ينابيع الحبور" أو أن تفهمها! وتكررت الأمثلة المشابهة في كافة الصفحات. فاحتفظتُ بالقصة في مكتبتي، واشتريتُ لابنة أخي قصة مصورة ومعاصرة باللغة الإنجليزية أحبتها كثيراً، وطالبت بالحصول على باقي السلسلة منها.
قد تدفعنا الرغبة بإبعاد المسؤولية عن أنفسنا إلى اعتبار أن مستوى أطفالنا باللغة العربية أقل من مستوانا حين كنا في عمرهم، وقد يكون ذلك صحيحاً إلى درجة ما، ولكن هذا لا يعفينا كصانعي محتوى ومؤلفي قصص الأطفال من مسؤولية أن تكون هذه القصص مناسبة لمستوى الأطفال، سواء من حيث الوعي أم القدرات اللغوية. ولا بد هنا أن أشير إلى أن المؤلف الذي يسرف في المفردات المعقدة أو التراكيب الصعبة في كتب الأطفال، يقوم بذلك في غالب الأحيان متعمداً، معتقداً أنه بذلك يساعد الأطفال على تحسين مستواهم في لغتهم الأم، إلا أن النتيجة على أرض الواقع تكون المزيد من الغربة عن هذه اللغة لدى الجيل الناشئ، والمزيد من الصعوبة في جذبهم إليها.
حديقة حيوانات باستر
في أحد الكتب المصورة المخصصة للأطفال باللغة الإنجليزية (Buster’s Zoo, Rod Campbell, 2012 edition by Macmillan Children’s Books)، يذهب باستر، نجم سلسلة الكتب، وهو فتى لطيف يحب الاستكشاف، إلى حديقة الحيوانات. يصف المؤلف ما يشاهده باستر عند زيارة كل حيوان، كأن يقول إن البطاريق تجعل باستر يضحك بسبب طريقة مشيها، وأن الدب الأم نائمة في حين أن الدب الطفل يلعب. ينتهي الكتاب بوداع الحيوانات وتعدادها.
في الجهة المقابلة، وأثناء زيارتي الأخيرة لمعرض الشارقة للكتاب منذ أسابيع قليلة، تحدثت مع مؤلفة كتب أطفال عربية، أصرّت على أن وجود "العبرة" والقيمة الأخلاقية هي أهم ما في كتبها.
أعتقد أن هذا الموروث القديم يقيد فن الكتابة للأطفال باللغة العربية، فليس من الضروري أن يحمل كل كتاب عبرة أو قيمة أخلاقية يتعلمها الطفل، ومن غير المفيد الحكم على الكتب من هذه الزاوية بالتحديد. من الجيد أن يُعلّم الكتابُ الطفل أشياء أكثر بساطة وملاءمة لعمره، مثل عادات الحيوانات في كتاب حديقة حيوانات باستر مثلاً.
القدرات الإنتاجية والطباعية
للعدالة، عليّ أن أشير إلى أن التسهيلات والقدرات التي يحصل عليها صناع المحتوى في دول العالم الأخرى أكبر بكثير مما يحصل عليه صناع المحتوى العرب، سواء من حيث العائد المادي في صنعة الكتابة، أم القدرات الإنتاجية والطباعية المتقدمة. ويعاني المؤلفون العرب أيضاً من القرصنة والنسخ غير المشروع في أحيان كثيرة، وهو ما يضعف قدرتهم على التفرغ للكتابة وإنتاج المحتوى المتقدم. من غير العادل والحال كذلك أن نتوقع قفزة نوعية في مستوى الكتب العربية في القريب العاجل. إلا أن هذه الصعوبات لا يمكن أن تزول دون وجود قطاع نشر أقوى وأكثر مرونة، وهو ما يتطلب قبل كل شيء مستويات أعلى وغزارة أكبر في تأليف كتب الأطفال باللغة العربية.
نحو المستقبل
إن نظرة بسيطة على ما يحب جيل اليوم من الأطفال واليافعين قراءته ستوصلنا دون أدنى شك إلى استنتاج مباشر وبسيط: لغتنا في خطر، وكتب الأطفال العربية في خطر. وهذا الخطر، على عكس الاعتقاد السائد، لا ينبع من ضعف ارتباط الجيل الجديد بثقافته ولغته الأم، بل ينبع من ضعف ما نقدمه نحن كصناع محتوى ومؤلفين لقصص الأطفال لهذا الجيل، لتشجيعه على الارتباط بلغته وثقافته. وواجبنا أن نعمل بجد وبجهد مضاعف لمواجهة هذا الخطر.