على الرغم من المنافع الهامة التي تقدمها خدمة الترجمة الآلية من جوجل (Google Translate)، إلا أن اسم هذه الخدمة أصبح مرادفاً للترجمة السيئة في العالم العربي على الأقل. ويعلم الكثيرون من المتخصصين في الترجمة أن عبارة "هذه ترجمة جوجل" هي أسوأ ملاحظة يمكن أن يسمعها المترجم من العميل. ما الذي يجعل من خدمة الترجمة الآلية بعيدة جداً عن الأداء المطلوب بالنسبة للغة العربية؟ وكيف تعمل جوجل على تحسين هذه الخدمة؟
تعتمد محركات الترجمة الآلية وعلى رأسها محرك جوجل على الترجمة الإحصائية (Statistical Translation)، وليس على علم المعاني. يعمل كل محرك للترجمة الآلية عن طريق مقارنة العبارة التي يطلب منه ترجمتها مع قاعدة بيانات ضخمة تضم مقاطع (Segments) موجودة باللغتين المصدر والهدف، لاختيار أكثر الترجمات تكراراً من قاعدة البيانات هذه. يتميز محرك جوجل عن باقي المحركات بضخامة قاعدة بياناته، التي تستفيد من محرك البحث العملاق وتقنيات قراءة محتوى الإنترنت بأسره ومقارنته وتحليله. يعني هذا أن فرصة محرك جوجل في إيجاد الترجمة الصحيحة أفضل من فرصة غيره من المحركات، إلا أنه يعني أيضاً أن جودة الترجمة ترتبط بشكل مباشر بجودة المحتوى الموجود على الإنترنت في اللغة الهدف، وجميعنا نعلم ضعف جودة المحتوى العربي على الإنترنت.
أستطيع القول من موقعي كخبير في الترجمة العربية والمحتوى العربي عموماً أن خدمة الترجمة الآلية من جوجل قطعت أشواطاً هامة، وأصبحت اليوم أكثر فعالية مما كانت عليه قبل أعوام قليلة فقط، إلا أنها لا تزال بعيدة كل البعد عن إنتاج نص عربي قابل ليس للنشر، وإنما لتطبيق قواعد التحرير بعد الترجمة الآلية (Post Machine Translation Editing)، والتي تطبق بفعالية معقولة في اللغات اللاتينية والهندو-جرمانية.
إلا أن جيف دين، قائد فريق Google Brain (دماغ جوجل) أشار في حديثه خلال مؤتمر البيانات الهيكلية (Structured Data Conference) إلى أن فريقه يعمل على توظيف قدرات جوجل الجبارة في مجال الذكاء الاصطناعي في تحسين محرك الترجمة الآلية من جوجل. طبعاً لا يعني ذلك انتقال المحرك إلى الترجمة وفقاً لعلم المعاني، ولكنه سيعني بالتأكيد تطبيق بعدٍ إضافي يتجاوز الترجمة الإحصائية، ويترك آثاراً إيجابية واسعة على نتائج محرك الترجمة الآلية.
ليست هنالك بعد تفاصيل وافية عن خطة جوجل لتطبيق هذه التكنولوجيا لتحسين الترجمة الآلية، لكننا ننتظر ذلك بفارغ الصبر. وفي هذه الأثناء، ندعو الجميع لاستخدام هذه الخدمة وغيرها من خدمات الترجمة الآلية في مكانها الصحيح، أي بصفتها مساعِداً سريعاً للحصول على فكرة عامة عن المعاني، وليس كبديل عن الترجمة البشرية أو كمعيار لتقييم هذه الترجمة.
د. علي محمد هو المؤسس والمدير التنفيذي - بيت المحتوى